سورة الحجرات - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجرات)


        


{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)}
{قُلْ أَتُعَلّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} أي اتخبرونه سبحانه وتعالى بذلك بقولكم {آمنا} [الحجرات: 14] فتعلمون من علمت به فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه وإلى الثاني بحرف الجر، وقيل: إنه تعدى به لتضمين معنى الإحاطة أو الشعور فيفيد مبالغة من حيث إنه جار مجرى المحسوس وقوله تعالى: {والله يَعْلَمُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الارض} حال من مفعول {تَعْلَمُونَ} وفيه من تجهيلهم ما لا يخفى، وقوله سبحانه: {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} تذييل مقرر لما قبله أي مبالغ في العلم بجميع الأشياء التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند إظهارهم الإيمان.


{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)}
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ} أي يعتدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثوابًا ممن أنعم بها عليه من المن عنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته، وقال الراغب: هي النعمة الثقيلة من المن الذي يوزن به وثقلها عظمها أو المشقة في تحملها، {وَأَنْ أَسْلَمُواْ} في موضع المفعول ليمنون لتضمينه معنى الاعتداد أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوبًا بنزع الخافض أو مجرورًا بالحرف المقدر أي يمنون عليك بإسلامهم، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى: {قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم} فهو إما على معنى لا تعتدوا إسلامكم منة علي أو لا تمنوا علي بإسلامكم، وجوز أبو حيان أن يكون {أَنْ أَسْلَمُواْ} مفعولًا من أجله أي يتفضلون عليك لأجل إسلامهم {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ يُنَادِى للإيمان} أي ما زعمتم في قولكم {آمنا} [الحجرات: 14] فلا ينافى هذا قوله تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ} [الحجرات: 14] أو الهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم وينافي نفي الإيمان السابق.
وقرأ عبد الله. وزيد بن علي {إِذْ هَداكُمْ} بإذ التعليلية، وقرئ {أَنْ هَداكُمْ} بإن الشرطية {إِن كُنتُمْ صادقين} أي في ادعاء الإيمان فهو متعلق الصدق لا الهداية فلا تغفل؛ وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم، ولا يخفى ما في سياق الآية من اللطف والرشاقة، وذلك أن الكائن من أولئك الأعراب قد سماه الله تعالى إسلامًا إظهارًا لكذبهم في قولهم: آمنا أي أحدثنا الإيمان في معرض الامتنان ونفى سبحانه أن يكون كما زعموا إيمانًا فلما منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منهم قال سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام: يعتدون عليك بما ليس جديرًا بالاعتداد به من حديثهم الذي حق تسميته أن يقال له إسلام فقل لهم: لا تعتدوا على إسلامكم أي حديثكم المسمى إسلامًا عندي لا إيمانًا، ثم قال تعالى: بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم، وفي قوله تعالى: {إسلامكم} بالإضافة ما يدل على أن ذلك غير معتد به وأنه شيء يليق بأمثالهم فأنى يخلق بالمنة، وللتنبيه على أن المراد بالإيمان الإيمان المعتد به لم يضفه عز وجل، ونبه سبحانه بقوله جل وعلا: {إِن كُنتُمْ صادقين} على أن ذلك كذب منهم، واللطف في تقديم التكذيب ثم الجواب عن المن مع رعاية النكت في كل من ذلك، وتمام الحسن في التذييل بقوله تعالى:


{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بما تَعْمَلُونَ (18)}
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السموات والارض} أي ما غاب فيهما {والله بَصِيرٌ بما تَعْمَلُونَ} أي في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه سبحانه ما في ضمائركم، وذلك ليدل على كذبهم وعلى اطلاعه عز وجل خواص عباده من نوأتباعه رضي الله تعالى عنهم. وقرأ ابن كثير. وأبان، عن عاصم {يَعْمَلُونَ} بياء الغيبة والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في بعض الآيات: {ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] إلخ إشارة إلى لزوم العمل بالشرع ورعاية الأدب وترك مقتضيات الطبع، وقوله تعالى: {رَّحِيمٌ ياأيها الذين ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ} يشير إلى أنه إن سولت النفس الأمارة بالسوء وجاءت بنبأ شهوة من شهوات الدنيا ينبغي التثبت للوقوف على ربحها وخسرانها {ءانٍ بَعْدَهَا قَوْمًا} من القلوب وصفاتها {بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ} صباح يوم القيامة {على مَا فَعَلْتُمْ نادمين} [الحجرات: 6] فإن ما فيه شفاء النفوس وحياتها فيه مرض القلوب ومماتها {واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله} [الحجرات: 7] إلخ يشير إلى رسول الإلهام الرباني في الأنفس بلهم فجورها وتقواها، ويشير قوله تعالى: {فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الاخرى فقاتلوا التى تَبْغِى حتى تَفِىء إلى أَمْرِ الله} [الحجرات: 9] إلى أن النفس إذا ظلمت القلب باستيلاء شهواتها يجب أن تقاتل حتى تثخن بالجراحة بسيوف المجاهدة فإن استجابت بالطاعة عفى عنها لأنها هي المطية إلى باب الله عز وجل: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] إشارة إلى رعاية حق الأخوة الدينية ومنشأ نطفها صلب النبوة وحقيقتها نور الله تعالى فإصلاح ذات بينهم برفع حجب استار البشرية عن وجوه القلوب ليتصل النور بالنور من روزنة القلب فيصيروا كنفس واحدة {ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مّنْهُمْ} [الحجرات: 11] يشير إلى ترك الإعجاب بالنفس والنظر إلى أحد بعين الاحتقار فإن الظاهر لا يعبأ به والباطن لا يطلع عليه فرب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله تعالى لأبره {قَالَتِ الاعراب ءامَنَّا} [الحجرات: 14] إلى آخره فيه إشارة إلى أنه ينبغي ترك رؤية الأعمال والعلم بأن المنة في الهداية لله الملك المتعال، وفيه إرشاد إلى كيفية مخاطبة الجاهلين والرد على المحجوبين كما سلفت الإشارة إليه، هذا ونسأل الله تعالى التوفيق لما يرضاه يوم العرض عليه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6